كيفية إخراج الزكاة
للشيخ أبي عبد الرحمن فتح القدسي حفظه الله
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد فيا معاشر المسلمين: إن مما ينبغي أن يذكر به في مثل هذه الأيام الاعتناء بأداء الزكاة ممن كان عنده ما يوجب ذلك، واعلموا رحمكم الله أن الزكاة في الإسلام تكون في الحبوب والثمار، وتكون في المواشي من بهيمة الأنعام، وتكون في النقدين الذهب والفضة وما قام مقامهما، وتكون في عروض التجارة في قول جماهير أهل العلم.
فأما ما تخرجه الأرض من حبوب وثمار فإن الزكاة تكون فيما يوسق ويكال من الحبوب، كالذرة والبر والأرز ونحو ذلك، ويكون في العنب والتمر ونحو ذلك مما جاء به الدليل، ودليل ذلك قول الله سبحانه: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141].
وهو مرتبط بالغلة التي تكون في آخر الموسم، كما قال سبحانه: يوم حصاده.
وزكاة بهيمة الأنعام تكون في الإبل وفي البقر وفي الغنم من الضأن والمعز، فأما الإبل ففي خمس يخرج صاحبها شاة، ثم في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا عشرين ففيها بنت مخاض، ثم يتدرج الأمر على ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل ويحتاج إليه أصحاب الإبل،
والزكاة في البقر إذا بلغت ثلاثين فيخرج تبيعًا، وفي أربعين مسنة.
وفي زكاة الغنم إذا بلغت أربعين ففيها شاة واحدة ثم ليس فيها زكاة حتى تبلغ مئة وعشرين، فإذا جاوزت ذلك ففيها شاتان، ثم على أنصباء معلومة في الحديث الطويل.
وإنما تخرج زكاة بهيمة الأنعام مما كان من سائمة الأنعام وهي التي ترعى أكثر السنة، فأما ما كان معلوفًا يشترى له العلف ويطعم بمال صاحبه فليس فيه زكاة، إنما الزكاة في السائمة،
وزكاة النقدين الذهب والفضة على معيار معلوم يكون نصابا
فزكاة الذهب ما بلغ خمسة وثمانين جرام وما زاد على ذلك، وزكاة الفضة ما بلغت خمسمائة وخمسة وتسعين جراما فصاعدا.
فمن وجد هذا النصاب من ذهب أو فضة فإنه يجب عليه أن يزكيه، والراجح أيضًا أن الزكاة تكون في الذهب الملبوس الذي يكون عند النساء، سواء كانت تتخذه للزينة أم كانت تدخره لحاجتها وأيامها وشدائدها فإن فيه الزكاة إذا بلغ النصاب، والدليل على ذلك عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: " أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟ ". قَالَتْ: لَا. قَالَ: " أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟ ". قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ. رواه أبو داود وغيره.
فهذان السواران كانا في يد تلك المرأة وهي تلبسهما فما بلغ من الزكاة خمسة وثمانين جراما فصاعدا فإنه يجب فيه الزكاة.
وهكذا ما قام مقام النقدين من الذهب والفضة من الأوراق النقدية فإنه يزكى، واختلف أهل العلم هل يقدر على مقدار الذهب أو على مقدار الفضة؟
والراجح والله أعلم أنه يقدر على نصاب الفضة، ونصاب الفضة في هذه الأيام خمسمائة وخمسة وتسعون جراما، ربما يقرب من أربعمائة ألف ريال يمني أو نحو ذلك، على اختلاف عيار الفضة، فمن الفضة ما يكون لا بأس به والخمسمائة وخمسة وتسعون تعادل ما يزيد قليلا على خمسمائة ألف ريال يمني بالعملة الجديدة فصاعدا، ومن الفضة ما يكون رديئا وربما الخمسمائة وخمسة وتسعون تعادل على نوع الفضة الرديء ثلاثمائة ألف وشيئا، ومنه ما يكون وسطا.
فعلى كل حال من كان عنده مال ودارت عليه السنة فإنه يزكيه.
وحولان الحول ودوران السنة هذا شرط في زكاة بهيمة الأنعام، وفي زكاة الذهب والفضة، وفي زكاة النقود، وفي زكاة عروض التجارة، أن يحول عليها الحول، أن تدور عليها سنة، فيخرج ربع العشر، مَن مَلَكَ مِثْلَ هذا المقدار أو نَحْوا من هذا المقدار أربعمائة ألف يمني فصاعدا وكانت معه طيلة السنة لم تنقص عن النصاب فإنه يزكيها -أربعمائة ألف من هذه العملة الجديدة،- فإنه يزكيها بإخراج ربع العشر، وكيفية إخراج الزكاة أن تقسم المبلغ الذي كان لديك أن تقسمه على أربعين، فما نتج فهو الزكاة، ففي المليون خمسة عشرون ألفا، وهكذا يكون بقية الحساب، فهذه الزكاة مما ينبغي للمسلم أن يعتني بها، وهكذا عروض التجارة يجرد صاحب التجارة ما يباع ويشترى من تجارته ما يدخل ويخرج من بضاعته يجرده وينظر كم هو ثم ما نتج يقسمه على أربعين، فما نتج فهو الزكاة، وليس هناك زكاة في الآلات التي يستخدمها، أو في السيارات التي يحتاجها في عمله، أو في التخشيبة، أو الثلاجات، أو نحو ذلك، إنما الزكاة في عروض التجارة التي تدخل وتخرج في المحل من أي محل كان، هذا هو قول جمهور أهل العلم في عروض التجارة، وفيه دلائل وإشارات من أحاديث فينبغي للمسلم أن يعتني بذلك، وستأتي أيضا بعد ذلك في آخر الشهر زكاة الفطر وهي صاع من طعام على كل نفس صغيرة أو كبيرة صائمة أم غير صائمة تخرج قبل الخروج للعيد ولا بأس بإخراجه قبل العيد بيوم أو يومين للحاجة،
فهذه الزكاة إذا وجد بيت مال منتظم وطلبها ولي الأمر ودفعت إليه أجزأت، وإن لم يكن أو حصل تلاعب فإن الإنسان على نفسه بصيرة، لن تخرج من ذلك إلا إذا أديت الزكاة كما أمرك الله سبحانه وتعالى.
فيا أيها الناس: نتقي الله سبحانه وتعالى، ونقبل على طاعة الله، وننظر ونتفقه في شرع الله سبحانه وتعالى، فإن هذه الدنيا أيام قلائل يأتي رمضان بعد رمضان وتمر فيه الأيام سراعا، وتمر فيه الأوقات كطرف العين، فهذه عبرة للمعتبرين وذكرى للذاكرين.
مقتطف من خطبة جمعة بعنوان (الكفاف في الحث على الاعتكاف وما فيه من استنزال الألطاف)
سجلت هذه الخطبة بتاريخ ١٩/ رمضان/١٤٤٥ هجرية
أبو عبد الله زياد المليكي
الملف pdf: