أتباع السلف الصالح

وستكون مواضيعنا إن شاء الله مُستقاة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله على وسلم , ونهج سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.

random

آخر الأخبار

random
recent
جاري التحميل ...

القاضي أحمد عطية (الإخواني خريج جامعة الإيمان) ومخالفة اتفاق أئمة المسلمين في تلبس الجن بالإنس

 


.......القاضي أحمد عطية
(الإخواني خريج جامعة الإيمان)
ومخالفة اتفاق أئمة المسلمين
في تلبس الجن بالإنس...
 
✍️كتبه أبو حمزة محمد بن حسن السوري
حمل الرسالة بي دي اف
👇👇👇👇👇

القاضي أحمد عطية

(الإخواني خريج جامعة الإيمان)

ومخالفة اتفاق أئمة المسلمين

في تلبس الجن بالإنس


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين؛ محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فإن القاضي أحمد عطية -وزير الأوقاف السابق هداه الله وأصلحه-، ممن يدعي العلم والفهم والفقه، وهو لا يحسن طرق مسائل العلم الصحيح، ولا الرد العلمي الصحيح، ولا العقيدة الصحيحة، ولا غرو في ذلك، لأن من تتلمذ على أهل الأهواء؛ فإنه يسير على طريقهم ومنهجهم، وهو أصلحه الله يخرج علينا بين الحين والآخر بطامة وكارثة ومصيبة.

فما إن أوشك العقلاء أن ينسوا الطامة التي قالها قبل فترة؛ من تمجيد وتبرير الاحتفالات بيوم الوعل -الصنم الذي كان يعبد من دون الله قديما-، وأيضا طامة استماتته في الدفاع عن الأقيال، وأن فكرة الأقيال لا تتعارض مع عقيدة الإسلام، حتى خرج علينا الآن يشكك في مسألة تلبُس الجني بالإنسي، بكلام سيء.

 حيث قال في مقطع مصور منشور على صفحته في الفس:

"...غير أن مسألة التلبس بالجني مسألة خلافية كبيرة بين العلماء، لم يحسموها إلى هذه اللحظة، في طائفة كبيرة من أهل العلم يرون أن مسألة التلبس الجني بالإنسي كلام فارغ كلام غير صحيح ولا يمت إلى الواقع بصلة لأن الله يقول {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} وبني آدم أقوى من أن يتلبسه جني أو يدخل في جسده، وأن ما يصدر من كلام أثناء القراءة ما هو إلا ايحاءات نفسية أو من العقل الباطن أو ردة فعل أو نتيجة للضغط الذي يستخدمه بعض القراء يخنق المريض أو يستخدم الكهرباء أو يستخدم يعني المجموعة من الناس يمسكون المريض بأرجله ويديه كل هذه التصرفات لا تمت إلى الشرع بشعره من الصلة...." اهـ.

أقول:

لقد وقعت أيها القاضي العجيب! في تناقض عجيب!، فكيف تقول: إن الرقية يقوم بها أي مسلم، ولا تحتاج إلى عيادة رقية أو شيخ وهو -صواب تحتاج فقط مسلم فاهم للرقية-، ثم تشكك في مسألة تلبس الجني بالإنسي، وتصور أنها خلافية، ولم يحسمها العلماء إلى الآن، ولا تحتاج رقية عند كثير من العلماء!، ولا تمت إلى الواقع بصلة!

فعلام تكون الرقية التي تقول إنها يستطيعها أي مسلم، فهل تعني الرقية على الهواء والبحار والأنهار!؟، فهذا تناقض مفضوح يدل على مدى الجهل الكبير، لأن الرقية تكون لمن به عين، أو سحر، أو به مس شيطاني، أو مريض به مرض ما، أو به هم وغم وكرب وحزن، وقد يلزمك هذا إنكار العين والسحر بهذه الحجة نفسها التي تقولها تماما عن كثير من العلماء المزعومين! الذين لم ترد عليهم أو تنكر قولهم بل تحتج بخلافهم (وبني آدم أقوى من أن يتلبسه جني أو يدخل في جسده، وأن ما يصدر من كلام أثناء القراءة ما هو إلا ايحاءات نفسية أو من العقل الباطن أو ردة فعل أو نتيجة للضغط الذي يستخدمه بعض القراء)

وهذا التشكيك الفظيع الأرعن في مسألة تلبس الجني بالإنسي؛ مخالف للأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ومخالف لإجماع أئمة المسلمين المتقدمين والمتأخرين.

وإثبات ذلك بما يلي:

قال الله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8].

وقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأعراف: 184].

وقال الله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6]

وقال الله تعالى: {قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ} [يونس: 2].

وقال الله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الإسراء: 47]

وقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة: 40 - 42].

قال الشوكاني رحمه الله «فتح القدير» (1/ 339): «وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى في ناقته:

وتصبح من غبّ السّرى وكأنّما … أَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الْجِنِّ أَوْلَقُ

فَجَعَلَهَا بِسُرْعَةِ مَشْيِهَا وَنَشَاطِهَا كَالْمَجْنُونِ. قَوْلُهُ: إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ أَيْ: إِلَّا قِيَامًا كَقِيَامِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ، وَالْخَبْطُ: الضَّرْبُ بِغَيْرِ اسْتِوَاءٍ كَخَبْطِ الْعَشْوَاءِ وَهُوَ الْمَصْرُوعُ. وَالْمَسُّ: الْجُنُونُ، ‌وَالْأَمَسُّ: ‌الْمَجْنُونُ» اهـ

فيا قاضي أصلحك الله: كفار قريش لعنهم الله يعترفون بتلبس الجني بالإنسي، واتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون، وأنه ساحر، وأنه مسحور بسبب الكهانة التي تأتي من تسلط الجن على الإنس، فبرأه الله من تلك التهمة الشنيعة، ودافع عنه، وإن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله وليس عن جنون وسحر وشياطين قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)} [النجم: 1 - 5]

وقال الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6]

قال الحافظ ابن جرير رحمه الله في "تفسيره" (23/ 655): "قال الله: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا): أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة" اهـ

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (8/ 239): "{فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: خَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا، حَتَّى تَبْقَوْا أَشَدَّ مِنْهُمْ مَخَافَةً وَأَكْثَرَ تَعَوُّذًا بِهِمْ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: إِثْمًا، وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً" اهـ

وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275].

وانظر كلام كبار المفسرين في هذه الآية أيضا:

قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله في "تفسيره" (6/ 8) عند الآية: "يعني بذلك يخبله الشيطان في الدنيا، وهو الذي يخنقه فيصرعه {مِنَ الْمَسِّ} يعني من الجنون، وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل» اهـ

وقال البغوي رحمه الله «تفسيره» (1/ 381): «أَيْ: يَصْرَعُهُ الشَّيْطانُ، أَصْلُ الْخَبْطِ: الضَّرْبُ وَالْوَطْءُ وَهُوَ ضَرْبٌ عَلَى غَيْرِ اسْتِوَاءٍ، يُقَالُ: نَاقَةٌ خَبُوطٌ لِلَّتِي تَطَأُ النَّاسَ وَتَضْرِبُ الْأَرْضَ بِقَوَائِمِهَا، مِنَ الْمَسِّ، أَيِ: الْجُنُونِ، ‌يُقَالُ: ‌مُسَّ ‌الرَّجُلُ ‌فَهُوَ ‌مَمْسُوسٌ ‌إِذَا ‌كَانَ ‌مَجْنُونًا» اهـ.

وقال ابن كثير رحمه الله «تفسيره» (1/ 708): «أي: ‌لا ‌يقومون ‌من ‌قبورهم ‌يوم ‌القيامة ‌إلا ‌كما ‌يقوم ‌المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له وذلك أنه يقوم قياما منكرًا. وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يُخْنَق» اهـ

وقال الإمام القرطبي رحمه الله في «تفسيره» (3/ 355): «فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى ‌فَسَادِ ‌إِنْكَارِ ‌مَنْ ‌أَنْكَرَ ‌الصَّرْعَ ‌مِنْ ‌جِهَةِ ‌الْجِنِّ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الطَّبَائِعِ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَسْلُكُ فِي الْإِنْسَانِ وَلَا يَكُونُ مِنْهُ مَسٌّ، وَقَدْ مَضَى الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.» اهـ.

وعَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ حُيَيٍّ رضي الله عنه قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ" فَقَالَا : سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَالَ شَيْئًا». رواه البخاري (3281)، ومسلم (2175).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ. رواه البخاري (3243).

فيا قاضي أصلحك الله: إذا كان ابن أدم أقوى من أن يتلبس به الشيطان، فلماذا أمر الله في كتابه الكريم، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته بالإستعاذة من الشياطين، والرقية من الكتاب والسنة، والتحصن بالأذكار الشرعية من أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم وغيرها، ولماذا قال الله تعالى: {وإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98 - 100].

فالمؤمن الضعيف المقصر غنيمة سهلة للشيطان للسيطرة عليه والدخول فيه وإغوائه.

 وأيضا قد يبتلي الله المؤمنين الأقوياء وأنبياءه بالسحر، فقد سحر رسول الله عليه وسلم ابتلاء وهو خير البشر

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا، وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ؟ قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ. رواه البخاري (3268) ومسلم (2189).

وهذا السحر لم يؤثر على دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا على معتقده، ولا على تبليغ الرسالة، كما بين ذلك العلماء، ولا تعارض في هذا، وفيما تقدم من نفي الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم أنه مسحور وكاهن، فذاك شيء وهذا شيء آخر، فالكفار أرادوا أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإسلام أنه من الكهانة والجن والشياطين، وليس من الله تعالى

 قال النووي رحمه الله «شرحه» (14/ 175):«قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ‌وَقَدْ ‌جَاءَتْ ‌رِوَايَاتُ ‌هَذَا ‌الْحَدِيثِ ‌مُبَيِّنَةً ‌أَنَّ ‌السِّحْرَ إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى جَسَدِهِ وَظَوَاهِرِ جَوَارِحِهِ لَا عَلَى عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ واعتقاده ويكون معنى قوله فى الحديث حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن وَيُرْوَى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَيْ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فاذا دنى مِنْهُنَّ أَخَذَتْهُ أَخْذَةُ السِّحْرِ فَلَمْ يَأْتِهِنَّ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَعْتَرِي الْمَسْحُورَ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّلُ إليه فعل شيء لم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تَطَرَّقَ إِلَى الْعَقْلِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يدخل لبسا على الرسالة ولا طعنا لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ» اهـ

وأيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعانه الله على قرينه كما في حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ. قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ" رواه مسلم (2814).

فغير رسول الله صلى له عليه وسلم سهل أن يلتبس بهم الجن، وهذا من الأدلة في هذه الموضوع

وقال الله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) } [ص: 41، 42]

قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (7/ 74): "وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَالَ: رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، قِيلَ: بِنُصْبٍ فِي بَدَنِي وَعَذَابٍ فِي مَالِي وَوَلَدِي" اهـ

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ، إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}». رواه البخاري (4548)، ومسلم (2366).

وعن عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفُلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا. قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي». رواه مسلم (2203)

وعن أبي اليسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يدعو «اللهم إني أعوذ بك من الهدم وأعوذ بك من التردي وأعوذ بك من الغرق والحرق والهرم وأعوذ بك أن ‌يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرًا وأعوذ بك أن أموت لديغًا». رواه أبو داود (496)، والنسائي (ج 8 ص 282). وقال شيخنا الوادعي رحمه الله، هذا حديث حسن. "الجامع الصحيح" (1/399)

وعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الطَّائِفِ، جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَئءٌ فِي صَلَاتِي، حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ، رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: "ابْنُ أَبِي الْعَاصِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "مَا جَاءَ بِكَ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَاتِي، حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصلِّي. قَالَ: "ذَاكَ الشَّيْطَانُ، ادْنُهْ "، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ، قَالَ: فَضرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ، وَتَفَلَ فِي فَمِي، وَقَالَ: "‌اخْرُجْ ‌عَدُوَّ ‌اللهِ"، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: "الْحَقْ بِعَمَلِكَ". قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ» رواه ابن ماجة (3548) وصححه الألباني رحمه الله

قال الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(6/ 1001): "وفي الحديث – أي حديث عثمان- دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ويدخل فيه ولو كان مؤمناً صالحا، وفي ذلك أحاديث كثيرة، وقد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم (485) من حديث يعلى بن مرة قال: "سافرت مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فرأيت منه شيئا ًعجباً.. "

وفيه: "وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين، يأخذه كل يوم مرتين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " أدنيه "، فأدنته منه، فتفل في فيه، وقال: اخرج عدو الله! أنا رسول الله   رواه الحاكم وصححه. ووافقه الذهبي، وهو منقطع.

ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى، جود المنذري أحدها! ثم ختمت التخريج بقولي: " وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد والله أعلم " والله أعلم ثم وقفت على كتاب عجيب من غرائب ما طبع في العصر الحاضر بعنوان (طليعة " استحالة دخول الجان بدن الإنسان ")! لمؤلفه (أبو عبد الرحمن إيهاب بن حسين الأثري) - كذا الأثري موضة العصر! - وهذا العنوان وحده يغني القارئ اللبيب عن الاطلاع على ما في الكتاب من الجهل والضلال، والانحراف عن الكتاب والسنة، باسم الكتاب والسنة ووجوب الرجوع إليهما، فقد عقد فصلا في ذلك، وفصلا آخر في البدعة وذمها وأنها على عمومها، بحيث يظن من لم يتتبع كلامه وما ينقله عن العلماء في تأييد ما ذهب إليه من الاستحالة أنه سلفي أو أثري – كما انتسب - مائة في المائة! والواقع الذي يشهد به كتابه أنه خلفي معتزلي من أهل الأهواء، يضاف إلى ذلك أنه جاهل بالسنة والأحاديث، إلى ضعف شديد باللغة العربية وآدابها، حتى كأنه شبه عامي، ومع ذلك فهو مغرور بعلمه، معجب بنفسه، لا يقيم وزنا لأئمة السلف الذين قالوا بخلاف عنوانه كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم، والطبري وابن كثير والقرطبي، والإمام الشوكاني وصديق حسن خان القنوجي، ويرميهم بالتقليد! على قاعدة (رمتني بدائها وانسلت)، الأمر الذي أكد لي أننا في زمان تجلت فيه بعض أشراط الساعة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: " وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". ونحوه قول عمر رضي الله عنه: " فساد الدين إذا جاء العلم من الصغير، استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير، تابعه عليه الصغير ". وما أكثر هؤلاء (الصغار)الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ، وما العهد عنا ببعيد ذاك المصري الآخر الذي ألف في تحريم النقاب على المسلمة! وثالث أردني ألف في تضعيف قوله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء... اهـ

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (24/ 276): «وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق سلف الأمة وأئمتها. ‌وكذلك ‌دخول ‌الجني ‌في ‌بدن ‌الإنسان ‌ثابت ‌باتفاق ‌أئمة ‌أهل ‌السنة ‌والجماعة قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم {إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم}. وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قلت لأبي: إن أقواما يقولون: إن الجني لا يدخل في بدن المصروع فقال: يا بني يكذبون هذا يتكلم على لسانه. وهذا الذي قاله أمر مشهور فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به جمل لأثر به أثرا عظيما. والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله وقد يجر المصروع وغير المصروع ويجر البساط الذي يجلس عليه ويحول آلات وينقل من مكان إلى مكان ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علما ضروريا بأن الناطق على لسان الإنسي والمحرك لهذه الأجسام جنس آخر غير الإنسان. وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يكذب ذلك فقد كذب على الشرع وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك» اهـ

يا قاضي أصلحك الله: ألا يكفيك نقل هذا الإجماع من هذا الإمام البحر شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (19/ 12): «ولهذا أنكر طائفة من المعتزلة كالجبائي وأبي بكر وغيرهما دخول الجن في بدن المصروع ‌ولم ‌ينكروا ‌وجود ‌الجن ‌إذ ‌لم ‌يكن ‌ظهور ‌هذا ‌في ‌المنقول عن الرسول كظهور هذا وإن كانوا مخطئين في ذلك. ولهذا ذكر الأشعري في مقالات أهل السنة والجماعة أنهم يقولون: إن الجني يدخل في بدن المصروع كما قال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: إن قوما يزعمون أن الجني لا يدخل في بدن الإنسي. فقال: يا بني يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه. وهذا مبسوط في موضعه» اهـ.

 قال الإمام ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (4/ 90): «قلت: الصَّرع صرعان: ‌صرعٌ ‌من ‌الأرواح ‌الخبيثة ‌الأرضيَّة، وصرعٌ من الأخلاط الرَّديَّة. والثَّاني: هو الذي يتكلَّم فيه الأطبَّاء وفي سببه وعلاجه.

وأمَّا صرع الأرواح، فأئمَّتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأنَّ علاجه بمقابلة الأرواح الخيِّرة الشَّريفة العلويَّة لتلك الأرواح الشِّرِّيرة الخبيثة، فتدفع آثارَها، وتعارض أفعالَها وتُبطِلها. وقد نصَّ على ذلك بُقْراط في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصَّرع وقال: هذا إنَّما ينفع في الصَّرع الذي سببه الأخلاط والمادَّة. وأمَّا الصَّرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج.

وأمَّا جهلة الأطبَّاء وسَقَطهم وسَفِلتهم ومن يعتدُّ بالزَّندقة فضيلةً، فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرُّون بأنَّها تؤثِّر في بدن المصروع. وليس معهم إلا الجهل، وإلَّا فليس في الصِّناعة الطِّبِّيَّة ما يدفع ذلك. والحسُّ والوجود شاهدٌ به. وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادقٌ في بعض أقسامه لا في كلِّها.....

وجاءت زنادقة الأطبَّاء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده. ومن له عقلٌ ومعرفةٌ بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم.

وعلاج هذا النَّوع يكون بأمرين: أمرٍ من جهة المصروع، وأمرٍ من جهة المعالج. فالَّذي من جهة المصروع يكون بقوَّةِ نفسه، وصدق توجُّهِه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتَّعوُّذِ الصَّحيحِ الذي قد تواطأ عليه القلب واللِّسان..

وشاهدت شيخنا يُرسِل إلى المصروع مَن يخاطب الرُّوحَ الَّتي فيه ويقول: قال لكِ الشَّيخ: اخرجي، فإنَّ هذا لا يحلُّ. فيفيق المصروع وربَّما خاطبه بنفسه. وربَّما كانت الرُّوح ماردةً فيُخْرِجها بالضَّرب، فيفيق المصروع ولا يحسُّ بألمٍ. وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارًا..» اهـ.

فيا قاضي أصلحك الله: هؤلاء أئمة الإسلام يقرؤون على من تلبس بهم الجن ويرقونهم، ولم يقولوا بما تقول به من الهذيان والتشكيك، وحسبنا الله ونعم الوكيل

وقال الإمام ابن باز رحمه الله في رده الموسوم" إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك": " بلغني عن فضيلة الشيخ علي الطنطاوي أنه أنكر مثل حدوث هذا الأمر، وذكر أنه تدجيل وكذب ...........في وبما ذكرناه من الأدلة الشرعية وإجماع أهل العلم من أهل السنة والجماعة على جواز دخول الجني بالإنسي، يتبين للقراء بطلان قول من أنكر ذلك، وخطأ فضيلة الشيخ علي الطنطاوي في إنكاره ذلك.

وقد وعد في كلمته أنه يرجع إلى الحق متى أرشد إليه، فلعله يرجع إلى الصواب بعد قراءته ما ذكرنا، نسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق.

ومما ذكرنا أيضا يعلم أن ما نقلته صحيفة الندوة في عددها الصادر في 14 / 10 / 1407 هـ ص 8 عن الدكتور محمد عرفان من أن كلمة جنون اختفت من القاموس الطبي، وزعمه أن دخول الجني في الإنسي ونطقه على لسانه أنه مفهوم علمي خاطئ مئة في المئة، كل ذلك باطل نشأ عن قلة العلم بالأمور الشرعية وبما قرره أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وإذا خفي هذا الأمر على كثير من الأطباء، لم يكن ذلك حجة على عدم وجوده، بل يدل ذلك على جهلهم العظيم بما علمه غيرهم من العلماء المعروفين بالصدق والأمانة والبصيرة بأمر الدين، بل هو إجماع من أهل السنة والجماعة، كما نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية عن جميع أهل العلم، ونقل عن أبي الحسن الأشعري أنه نقل ذلك عن أهل السنة والجماعة، ونقل ذلك أيضًا عن أبي الحسن الأشعري العلامة أبو عبدالله محمد بن عبدالله الشبلي الحنفي المتوفي سنة 799 هـ في كتابه [آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان] في الباب الحادي والخمسين من كتابه المذكور" اهـ وهو في الفتاوي (2/207).

وقال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: "إنَّ الجِنَّ قد يَعتَدُونَ على الإنسِ، وإنَّهم يُؤذونَهم كما أنَّ الواقِعَ شاهِدٌ بذلك؛ فإنَّه قد تَواتَرَتِ الأخبارُ واستَفاضَت بأنَّ الإنسانَ قد يَأتي إلى الخَرِبةِ فيُرمى بالحِجارةِ وهوَ لا يَرى أحَدًا مِنَ الإنسِ في هذه الخَرِبةِ! وقد يَسمَعُ أصواتًا وقد يَسمَعُ حَفيفًا كحَفيفِ الأشجارِ وما أشبَهَ ذلك مِمَّا يَستَوحِشُ بهِ ويَتَأذَّى بهِ! وكَذلك أيضًا قد يَدخُلُ الجِنِّيُّ إلى جَسَدِ الآدَميِّ، إمَّا بعِشْقٍ، أو لقَصدِ الإيذاءِ، أو لسَبَبٍ آخَرَ مِنَ الأسبابِ، ويُشيرُ إلى هَذا قَولُه تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275] ، وفي هَذا النَّوعِ قد يَتَحَدَّثُ الجِنِّيُّ من باطِنِ الإنسيِّ نَفسِه ويُخاطِبُ مَن يَقرَأُ عليهِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ الكَريمِ، ورُبَّما يَأخُذُ القارِئُ عليهِ عَهدًا ألَّا يَعودَ، إلى غَيرِ ذلك مِنَ الأمورِ الكَثيرةِ الَّتي استَفاضَت بها الأخبارُ وانتَشَرَت بَينَ النَّاسِ" اهـ من «مجموع فتاوى ورسائل العثيمين» (1/ 287).

وقال الإمام مقبل الوادعي رحمه الله: «وموضوع الجن موضوع طويل لو كتب فيه كاتب لأخرج كتابًا مثل "بلوغ المرام" أو "رياض الصالحين" من حيث انقسامهم إلى مسلمين وكافرين، ومن تسلط الشياطين والجن على بني آدم، ومن حيث وسوسة الشياطين لبني آدم، فإن المعتزلة يقولون: إن الجن لا يسلطون على بني آدم، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ}..

ويجوز أن يتلبس الجني بالإنسي، وهذا كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "إيضاح الدلالة": لو لم يرد دليل لما كان لنا أن ننكره، لأن الإنكار يخالف الواقع، ويخالف الدليل.

وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما من مولود يولد إلاّ والشّيطان يمسّه حين يولد، فيستهلّ صارخًا من مسّ الشّيطان إيّاه إلاّ مريم وابنها)) ثمّ يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم}.

والفلاسفة ينكرون وجود الجن، وقد انزلق محمد رشيد رضا في هذا وقال: إن الجن عبارة عن الجراثيم، لأنّها لا ترى إلا بواسطة المكبر، وهو يقول هذا الكلام حتى يوافق المستشرقين من أعداء الإسلام الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوسات ثم تبع الفلاسفة من تبعهم من أفراخهم، ثم المعتزلة أنكروا تسلط الجن وإن كانوا لم ينكروا وجود الجن، وهناك كتاب قيم بعنوان "صيحة الحق" لرجل اسمه درويش تكلم على التوحيد، ولكنه زلق أيضًا وأنكر أن يتلبس الجني بالإنسي. وأقول: كيف ينكر هذا وأمثاله، ورب مصروع لا يحفظ القرآن وتجده يقرأ القرآن، ورب مصروع لا يحسن اللغة الإنجليزية وتجده يتكلم بها، ورب مصروع لا يحسن اللغة التركية فإذا صرعه الجني تكلم بها. والصرع علاجه الأذكار..» اهـ «تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب» (ص363)

وقال شيخنا الوادعي رحمه الله جوابا عن: «السؤال246: بعض من ينكر ‌المس مثل الغزالي وغيره يقولون: لماذا لم يوجد رجل أمريكي أو سويدي أو بريطاني أو فرنسي.. الخ به مس، وبهذا يلبّسون على الناس؟

الجواب: قولهم هذا ليس بصحيح بل هو موجود، فالرجل الأمريكي الكافر وكذلك البريطاني الكافر هو في أيدي الجن، ثم إذا أسلم واستقام ما يمكث أيامًا إلا ويأتيه الصرع، فعندما سألنا المختصين عن هذا فقالوا: يكون راضيًا عنه عند أن كان كافرًا، فإذا التزم الشخص يحترق الشيطان فيصرعه، وهذا قد حدث لغير واحد، حتى أن شخصًا مصريًا أتى إلى هنا جن وصار يأكل التراب، فخشيت أن يضره، فلما نزلت إلى مصر فإذا الشاب سويّ في صحة طيبة، فلما سألت عنه قالوا: إذا ذهب إلى المدارس وترك الالتزام رجعت له صحته، وإذا التزم بالدين آذاه الجني.

فإذا التزم الشخص وتمسك بالدين آذاه الشيطان، بخلاف الشخص الضائع المائع الذي لا يذكر الله، فهو في قبضة الشيطان من التعامل بالربا، أو تابع للزنا، وارتكاب الفواحش والمحرمات، فالشيطان لا يتألم إلا من الصالحين، وهو أمر قد حصل وقد نطق بعضهم أنه إذا بقي هنا سيؤذيه، وإذا ذهب من هنا فلا شيء عليه منه.» اهـ «تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب» (ص375).

 أخيرا:

مما تقدم من الأدلة من الكتاب والسنة، وإجماع أئمة المسلمين المتقدمين والمتأخرين يتضح جليا واضحا؛ بطلان تشكيك القاضي الإخواني خريج جامعة الإيمان الإخوانية في اليمن القاضي أحمد عطية؛ حول مسألة تلبس الجني بالإنسي، وادعائه أنها مسألة خلافية كبيرة بين العلماء!، وأن العلماء لم يحسموها إلى الآن!.

فالمسألة بحمد الله محسومة عند أئمة المسلمين من قديم، وقام عليها الاتفاق بين أئمة المسلمين، ولم يخالف فيها إلا أهل البدع والأهواء من معتزلة وغيرهم، وليست كلاما فارغا، فعليها أدلة من الكتاب والسنة واضحة مثل الشمس، والواقع يشهد عليها والوقائع متواترة لا يحصيها إلا الله العليم والقدير

وننصح هذا القاضي بأن لا يتكلم إلا بعلم، ولا يتجرأ على مخالفة إجماع أئمة المسلمين، الذي نقله العلماء المتقدمون والمتأخرون، وأن يطلب العلم عند أهل السنة، وأن يتوب إلى الله من فكره الإخواني الذي جلب على الأمة الويلات؛ من مثل هذه الجرأة الشديدة على التطاول على إنكار أدلة وإجماع مسطر معلوم عند صغار طلبة العلم، وإنكار مسألة معلومة حتى عند عوام المسلمين من تلبس الجني بالإنسي.

وأما تلك المخالفات العظيمة والسيئة التي يعملها كثير من الراقين أثناء الرقية، فأهل السنة هم أول من حذروا وأنكروها عليهم، وأفتوا أن تلك العيادات والدكاكين التي عملها أصحاب الرقية؛ عيادات محدثة سيئة، يحصل فيها من المخالفات والبدع الشيء الكثير، ولم تكن تلك العيادات والدكاكين على عهد السلف، ولم يعرفوا تلك الأساليب في الرقية، وتلك الطرق والأساليب التجارية، التي ما عرفناها إلا من الإخوان المسلمين وأهل البدع، فهذه أساليبهم، وطرقهم في تصيد أموال الناس، وبيع العسل والزيوت المرقية، وجمع الأموال، والرقية الشرعية بسيطة وسهلة لا تحتاج إلا راق فاهم عنده ثقة وإيمان قوي بربه سبحانه وتعالى، ويحسن الرقية بقراءة الآيات والرقى الشرعية من السنة وحسب.

والله الموفق

كتبه أبو حمزة محمد بن حسن السِّوري

 السبت 25 من شهر رجب 1446 هجرية

رابط الملف بصيغة (pdf)

عن الكاتب

أتباع السلف الصالح

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

أتباع السلف الصالح