أتباع السلف الصالح

وستكون مواضيعنا إن شاء الله مُستقاة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله على وسلم , ونهج سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.

random

آخر الأخبار

random
recent
جاري التحميل ...

أم إبراهيم الهاشمية وما أدراك ما أم إبراهيم الهاشمية

 


روي أنه كان بالبصرة نساء عابدات، وكانت منهن أم إبراهيم الهاشمية، فأغار العدو على ثغر من ثغور المسلمين، فانتدب الناس للجهاد. فقام عبدالواحد بن زيد البصري في الناس خطيبًا فحضهم على الجهاد، وكانت أم إبراهيم هذه حاضرة في مجلسه، وتمادى عبدالواحد على كلامه، ثم وصف الحور العين، وذكر ماقيل فيهن، وأنشد في صفة حوراء:

"غـــادة ذات دلال ومــرح 

يجــد الناعت فيهــا ماقترح

خــلقت من كــل شيء حـسـن

طيب فــالليت فيهــا مــطرح

زانــهــا الله بــوجــه جـمـعـت

فيــه أوصــاف غــريبــات الملح

وبـعيـن كحــلهــا من غـنـجـهـا

وبــخــد مســكــه فيــه رشــح

نــاعــم تجــري عـلى صفــحتــه

نـضــرة الــمــلك ولألأ الـفــرح

أتــرى خــاطـبـهــا يسـمـعهــا

إذ تـديـر الكــأس طــورًا والقدح

فـي ريــاض مـونـق نــرجـســه

كلمـــا هب لـه الــريـح نفــح

وهــي تـدعــوه بــود صــادق

مــلء القــلب بــه حتــى طفــح

يــا حبيبــًا لســت أهــوى غيــره

بــالــخــواتيـم يـتـم الـمـفـتـتـح

لاتـكــونـن كــمــن جــد إلــى

مـنتـهى حــاجـتــه ثـم جــمــح

لا فمــا يخـطب مثلي من سهــا

إنمــا يخــطب مـثلي مـن ألــح". 

فماج الناس بعضهم في بعض، واضطرب المجلس فوثبت، أم إبراهيم من وسط الناس، وقالت لعبدالواحد: يا أبا عبيد ألست تعرف ولدي إبراهيم، ورؤساء أهل البصرة يخطبونه على بناتهم، وأنا أضن به عليهم، فقد والله أعجبتني هذه الجارية، وأنا أرضاها عِرسًا لولدي؛ فكرر ماذكرت من حسنها وجمالها. فأخذ عبدالواحد في وصف حوراء، ثم أنشد:

"تــولد نــور النور من نــور وجهها

فمازج طيب الطيب من خالص العطر

فلو وطئت بالنعل منها على الحصى

لأعشبت الأقطار من غير مــا قطر

ولو شئت عقد الخصر منها عقدته

كغصن من الريحان ذي ورق خضر

ولو تفلت في البحر شَهْد رُضــا بِِهَـا

لطاب لأهل البر شرب من البحر

يكاد اختلاس اللحظ يجرح خدها

بجارح وهـم القلب من خارج السر". 

فاضطرب الناس أكثر، فوثبت أم إبراهيم، وقالت لعبدالواحد: يا أبا عبيد قد والله أعجبتني هذه الجارية، وأنا أرضاها عروسًا لولدي فهل لك أن تزوجه منها وتأخذ مني مهرها عشرة آلاف دينار، ويخرج معك في هذه الغزوة، فلعل الله يرزقه الشهادة، فيكون شفيعًا لي ولأبيه في القيامة؟ فقال لها عبد الواحد: لئن فعلت لتفوزن أنت وولدك، وأبو ولدك فوزًا عظيمًا!

ثم نادت ولدها: يا إبراهيم. فوثب من وسط الناس، وقال لها: لبيك يا أماه. قالت: أي بني أرضيت بهذه الجارية زوجة ببذل مهجتك في سبيله وترك العود في الذنوب؟ فقال الفتى: إي والله يا أماه رضيت أيّ رضى. فقالت: اللهم إني أشهدك أني زوجت ولدي هذا من هذه الجارية ببذل مهجته في سبيلك، وترك العود في الذنوب فتقبله مني يا أرحم الراحمين.

ثم انصرفت، فجاءت بعشرة آلاف دينار، وقالت: يا أبا عبيد، هذا مهر الجارية تجهز به، وجهز الغزاة في سبيل الله، وانصرفت، فابتاعت لولدها فرسًا جيدًا واستجادت له سلاحًا، فلما خرج عبدالواحد خرج إبراهيم يعدو، والقراء حوله يقرؤون: ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة﴾. فلما أرادت فراق ولدها دفعت إليه كفنًا وحنوطًا وقالت له: أي بني، إذا أردت لقاء العدو فتكفن بهذا الكفن، وتحنط بهذا الحنوط، وإياك أن يراك الله مقصرًا في سبيله. ثم ضمته إلى صدرها، وقبلت بين عينيه، وقالت: يابني! لاجمع الله بيني وبينك إلا بين يديه في عرصات القيامة.

قال عبد الواحد: فلما بلغنا بلاد العدو، ونودي في النفير وبرز الناس للقتال؛ برز إبراهيم في المقدمة، فقتل من العدو خلقًا كثيرًا، ثم اجتمعوا عليه فقتل. فلما أردنا الرجوع إلى البصرة قلت لأصحابي لا تخبروا أم إبراهيم بخبر ولدها حتى ألقاها بحسن العزاء لِئلا تجزع فيذهب أجرها. فلما وصلنا البصرة خرج الناس يتلقوننا، وخرجت أم إبراهيم فيمن خرج، فلما بصرت بي، قالت: يا أبا عبيد هل قُبلت مني هديتي فأهنأ، أم ردت علي فأعزّى؟ فقلت لها: قد قبلت والله هديتك إن إبراهيم حي مع الشهداء يرزق. قال: فخرّت ساجدة لله شكرًا، وقالت: الحمد لله الذي لم يخيب ظني وتقبل نسكي مني، وانصرفت.

فلما كان من الغد أتت إلى مسجد عبد الواحد، فنادته: السلام عليك ياأبا عبيد، بُشراك! فقال: لازلتِ مبشرة بالخير. فقالت له: رأيت البارحة ولدي إبراهيم في روضة حسناء، وعليه قبة خضراء، وهو على سرير من اللؤلؤ، وعلى رأسه تاج وإكليل وهو يقول لي: يا أماه أبشري؛ فقد قبل المهر، وزفت العروس.

- مَشارع الأشواق لابن النحاس | تنبيه ذوي الأقدار على مسالك الأبرار.

-

عن الكاتب

أتباع السلف الصالح

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

أتباع السلف الصالح