خطبة جمعة بعنوان:
ليلة القدر فضلها ووقتها
للشيخ الفاضل أبي عبد الله
عبد الرحمن بن عبد المجيد الشميري
حفظه الله
رابط التحميل : https://drive.google.com/file/d/1cRIxQ39MadZEBMts2wxb3WVwncYrhPok/view?usp=share_link
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» [آل عمران:102]
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» [النساء:1]
« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا » [الأحزاب: 70،71]
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أيها الناس:ثبت في صحيح الإمام مسلم، من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:>كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلَّمَ يَجْتَهِدُ في رمضان ما لا يجتهد في غيره، ويجهتد في العَشْرِ الأوَاخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِا
ها هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع هذا يجتهد في عبادة الله وفي طاعته،لا سيما في هذه العشر الأواخر من رمضان التي لياليها هي أفضل ليالي السنة، لأن فيها ليلة هي خير من ألف شهر، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يجتهد في هذه العشر من أجل هذه الليلة،ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أن أخفى علينا تعيين ليلة القدر حتى نجتهد في طاعة الله وفي عبادة الله، لأنها لو عينت لنا لركنا على ذلك ولتكاسلنا عن عبادة الله سبحانه وتعالى، ولكن الله سبحانه وتعالى لحكمته أخفاها علينا وجعلها متنقلة في العشر الأواخر من رمضان حتى نجتهد فيها أكثر من غيرها، فاجتهدوا عباد الله في عبادة ربكم وفي طاعة ربكم في سائر السنة ولكن كثفوا الجهود في هذه الليالي المباركة التي فيها ليلة القدر،ليلة القدر التي أنزل الله عز وجل فيها سورة تتلى إلى يوم القيامة تدل على فضلها وعظيم شأنها عند الله جل وعلا، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)» [القدر:1،5]
فربنا سبحانه وتعالى بين لنا فضل هذه الليلة في هذه السورة فقال سبحانه:«إنا أنزلناه في ليلة القدر»وهذا يدل على فضل هذه الليلة حيث أن القرآن أنزله الله عز وجل فيها جملة إلى سماء الدنيا، ثم نزل مفرقا على حسب الحوادث، فربنا سبحانه وتعالى أخبرنا أن القرآن نزل في هذه الليلة، فالقرآن نزل في رمضان،فدل هذا على أن ليلة القدر في رمضان، قال الله تعالى:«شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن»فدل هذا دلالة واضحة على أن ليلة القدر هي من رمضان، وهي من العشر الأواخر منه، فهذا يدلنا على فضل هذه الليلة المباركة حيث أن الله عز وجل خصها بإنزال هذا الكتاب العزيز الذي هو أفضل الكتب السماوية، نزل على أفضل الرسل على الإطلاق،نعم عباد الله،« وما أدراك ما ليلة القدر»وهذا الاستفهام لتفخيم أمر هذه الليلة ولتعظيم شأنها، وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر، خير من ألف شهر في الفضل،خير من ألف شهر في الشرف، خير من ألف شهر في الثواب والأجور نعم عباد الله، فليلة القدر أفضل من ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر، وهذا فضل عظيم يدل على فضل هذه الليلة المباركة،ليلة القدر خير من ألف شهر، إذا من حرمها فهو المحروم، من حرم هذه الليلة ومن حرم الأعمال الصالحة ومن حرم استغلال هذه الليلة واغتنام هذه الليلة فهو والله محروم،قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:>من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه،
فمن يقم هذه الليلة إيمانا بشرعية قيامها واحتسابا وطلبا للأجر من الله عز وجل على قيامها وعلى التعبد لله فيها بأنواع العبادات من دعاء وذكر واستغفار وصلاة وقراءة للقرآن وغير ذلك من أنواع العبادات، فالذي يقومها ويستغلها غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وهذا فضل عظيم تنزل الملائكة والروح فيها، الملائكة تتنزل أولئك العباد الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، جبريل عليه الصلاة والسلام ينزل في هذه الليلة هو والملائكة، والملائكة لا يتنزلون إلا بالرحمة والخير والبركة، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي لكثرة من يسلم فيها من عقوبة الله عز وجل، سلام هي لكثرة من يعتق فيها من النار، سلام هي حتى مطلع الفجر، أي أن وقتها ينتهي بطلوع الفجر، يا عباد الله لنجتهد في هذه الليالي المباركة حتى ننال فضل هذه الليلة وشرف هذه الليلة والثواب العظيم الذي رتبه الله سبحانه وتعالى على من قامها وتعبد لله فيها، إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان في بدء أمره يعتكف العشر الأوسط من رمضان من أجل ماذا؟ من أجل أن يتحصل على فضل هذه الليلة، فلما أخبر أنها في العشر الأواخر رجع هو ومن كان قد اعتكف معه رجعوا إلى المسجد يعتكفون تلك العشر الأواخر لكي ينالوا فضل هذه الليلة المباركة، لأن المعتكف متفرغ أكثر من غيره في طاعة الله وفي عبادة الله سبحانه وتعالى، قد فرغ نفسه للعمل الصالح في بيت من بيوت الله جل وعلا، فسينال فضل هذه الليلة أكثر من غيره لكونه فرغ نفسه فيها لطاعة الله سبحانه وتعالى.
أيها الناس : إن الله سبحانه وتعالى وصف هذه الليلة بالبركة، فقال سبحانه:«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)» [الدخان:3،5].
فوصف ربنا سبحانه وتعالى هذه الليلة بالبركة فقال «إنا أنزلناه في ليلة مباركة» وذلك لكثرة خيرها وفضلها وبركتها، ومن قامها وتعبد لله عز وجل فيها فسيناله من بركة هذه الليلة المباركة، إذًا فاحرص حتى تتعرض لنفحات ربك فتنال من بركاته وفضله وخيراته وإحسانه سبحانه وتعالى، ثم قال سبحانه وتعالى« فيها يفرق كل أمر حكيم » أي فيها يفصل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة كل أمر حكيم، كل ما يقدره الله عز وجل في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر إلى مثلها من العام المقبل، فيها يفرق كل أمر حكيم، كل أمر محكم متقن ليس فيه خلل ليس فيه نقص فأقدار الله عز وجل محكمة، وأقدار الله سبحانه وتعالى متقنة، فالله سبحانه وتعالى يفصل من اللوح المحفوظ كل ما يقدره في تلك السنة من الخير والشر، يفصله إلى الكتبة وإلى الملائكة، فهي ليلة القدر، سميت ليلة القدر لأنها ذات شرف وعظمة، وكذلك سميت ليلة القدر لأن فيها التقدير والقضاء السنوي الذي يحصل في تلك السنة، وكل هذا يدل على فضل هذه الليلة المباركة، وكما سمعتم أن مما يدل على فضلها أن الله سبحانه وتعالى رتب المغفرة على قيامها فقال : من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، تقول عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.
فهي ليلة عفو، الله عز وجل يعفو فيها عن كثير من عباده، ويغفر لهم بسبب أنهم تعرضوا لنفحاته، وتعرضوا لإحسانه، وتعرضوا لفضله وبركاته.
أسأل الله سبحانه أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد، أيها الناس: قد علمتم فيما مضى أن ليلة القدر في رمضان وأنها في العشر الأواخر من رمضان تتنقل فيه، فهي في الأشفاع والأوتار، ولكنها في الأوتار أرجى من الأشفاع، لهذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، قال: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وفي حديث آخر تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، فدل هذا على أن الأوتار أرجى من الأشفاع، فهي في الأوتار أكثر منها في الأشفاع، فلهذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خص الأوتار بعد أن ذكر الأشفاع ، وهكذا أيضا هي في السبع الأواخر أرجى من غيرها، فقد ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرو ليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت أي اتفقت في السبع الأواخر من رمضان فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر من رمضان، وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى من غيرها، كما ثبت في صحيح الإمام مسلم، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال : الله إني لأعلم أي ليلة ليلة القدر هي الليلة التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمرنا بقيامها هي ليلة سبع وعشرين.إذا يا عبد الله اجتهد في هذه الليالي كلها، فهي متنقلة فيها، قد تكون ليلة واحد وعشرين، فقد وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات مرة ليلة واحد وعشرين، وذلك أنه قال أريت أي في المنام أنني أسجد في صبيحتها في ماء وطين فامطرت السماء في ليلة واحد وعشرين فرأى الناس جبهة رسول الله صلى عليه وآله وسلم قد امتلأت ماء وطينا، فدل هذا على أنها قد تقع في ليلة واحد وعشرين، وهكذا أيضا وقعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة ثلاث وعشرين، وهكذا فقد ثبت هذا أنه أيضا قال أريت أنني في صبيحتها أسجد على ماء وطين، فسجد على ماء وطين صبيحة ليلة ثلاث وعشرين لأنه نزل فيها مطر، فهذا يدلنا على أنها تتنقل، فقد تكون ليلة واحد وعشرين، وليلة اثنين وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة أربع وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة ست وعشرين، وليلة سبع وعشرين وهي أرجاها، وهكذا أيضا ليلة ثمان وعشرين، وليلة تسع وعشرين، وقد تكون ليلة الثلاثين، فإنه أيضا قد ورد في ذلك حديث، فالحاصل أن الإنسان يجتهد في هذه العشر كلها، ويشمر عن ساعد الجد، ويحيي الليل بعبادة الله، وهذا يقتدي فيه الإنسان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تقول عائشة رضي الله عنها :«كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد المأزر».
عباد الله نذكر أنفسنا وإخواننا بعبادة عظيمة هي فرض على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد كل مخاطب بها وهي زكاة الفطر، صاعا من بر، أو صاع من شعير، أو صاعا من تمر، والصاع يقدر بثلاثة كيلو تقريبا، تخرجها قبل صلاة العيد، وإن شئت أن تقدمها فقبل العيد بيوم أو يومين توزعها على الفقراء والمساكين، وإن أعطيتها لمسكين واحد أجزأك ذلك، وإن فرقت أجزأك ذلك ،وإن أعطيت هبة ثم فرقتها أجزأك ذلك، فالحاصل أن الإنسان يجتهد في هذه الزكاة حتى تكون طهرة له من اللغو والرفث في حال صومه، وطعمة للمساكين يشاركونك في الفرحة والسرور، وإياك إياك أن تحدث فيها فتخرجها نقوداً، فإن ذلك لا يجزئك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
وقال : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ».
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى، وأن يأخذ بنواصينا للبر والتقوى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سجلت في يوم :
الجمعة 23رمضان لعام 1444هـ مسجد الشميري تعز .
فرغها أبو عبدالله زياد المليكي
رابط ثاني للملف : https://t.me/atbaasalaf/9518